أهداف سورة غافر
سورة غافر سورة مكية، نزلت في الفقرة الأخيرة من حياة المسلمين بمكة، بعد الإسراء وقبيل الهجرة، ولآياتها ٨٥ آية، نزلت بعد صورة الزمر.
ولها أربعة أسماء : تسمى سورة غافر لقوله تعالى في أولها :﴿ غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب... ﴾ ( غافر : ٣ )
وتسمى سورة المؤمن لاشتمالها على حديث مؤمن آل فرعون- واسمه خربيل – في قوله تعالى :﴿ وقال رجل مؤمن من آل فرعون... ﴾ ( غافر : ٢٨ ).
وسورة الطول لقوله تعالى :﴿ ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ﴾. ( غافر : ٣ ).
وتسمى حم الأولى لأنها أول سورة في الحواميم ١.
روح السورة
الروح السارية في سورة غافر هي روح الصراع الدائر بين الحق والباطل، والإيمان والكفر، والدعوة والتكذيب، وأخيرا قضية العلو في الأرض، والتجبر بغير الحق، وبأس الله الذي يأخذ المتجبرين، وفي ثنايا أهداف السورة الأصلية نجد أنها تلم بموقف المؤمنين المهتدين الطائعين، ونصر الله إياهم، واستغفار الملائكة لهم واستجابة لله لدعائهم، وما ينتظرهم في الآخرة من نعيم.
وجو السورة كله – من ثم – كأنه جو معركة، وهي المعركة بين الإيمان والطغيان، وبين الهدى والضلال، وبين المتكبرين المتجبرين في الأرض، وبأس الله الذي يأخذهم بالدمار والتنكيل، وتتنسم خلال هذا الجو نسمات الرحمة والرضوان حين يجيء ذكر المؤمنين.
وتتمثل روح السورة في عرض مصارع الغابرين، كما تتمثل في عرض مشاهد القيامة، وهذه وتلك تتناثر في سياق السورة وتتكرر بشكل ظاهر، وتعرض في صورها العنيفة المرهوبة المخيفة، ومنذ بداية السورة إلى نهايتها نجد آيات تلمس القلب، وتهز الوجدان، وتعصف بكيان المكذبين، وقد ترق آيات السورة فتتحول إلى لمسات وإيقاعات تمس القلب برفق، وهي تعرض صفات الله غافر الذنب وقابل التوب، ثم تصف حملة العرش، وهم يدعون ربهم ليتكرم على عباده المؤمنين، ثم تعرض الآيات الكونية والآيات الكامنة في النفس البشرية.
موضوعات السورة
يمكننا أن نقسم سورة غافر بحسب موضوعاتها إلى أربعة فصول :
الفصل الأول : صفات الله.
تبدأ الآيات من ( ٤-٢٠ ) بعرض افتتاحية السورة، وبيان أن الكتاب منزل من عند الله، ﴿ غافر الذنب وقابل التوب... ﴾ للمؤمنين التائبين، ﴿ شديد العقاب... ﴾ للعصاة المذنبين.
ثم تقرر أن الوجود كله مسلم مستسلم لله، وأنه لا يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فيشذون عن سائر الوجود بهذا الجدال، ومن ثم فهم لا يستحقون أن يأبه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، مهما تقلبوا في الخير والمتاع، فإنما هم صائرون إلى ما صارت إليه أحزاب المكذبين قبلهم، وقد أخذهم الله أخذا بعقاب يستحق العجب والإعجاب، ومع الأخذ في الدنيا فإن عذاب الآخرة ينتظرهم هناك... ذلك بينما حملة العرش ومن حوله يعلنون إيمانهم بربهم، ويتوجهون إليه بالعبادة، ويستغفرون للذين آمنوا من أهل الأرض، ويدعون لهم بالمغفرة والنعيم والفلاح.. وفي الوقت ذاته مشهد الكافرين وهم ينادون :﴿ لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون ﴾. ( غافر : ١٠ ).
وهم في موقف المذلة والانكسار يقرون بذنبهم، ويعترفون بربهم، فلا ينفعهم الاعتراف والإقرار، ومن هذا الموقف بين يدي الله في الآخرة يعود السياق ليعرض أمام الناس مظاهر أنعم الله عليهم، ليأخذ بأيديهم إلى طريق الإيمان بالله. ﴿ فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون * رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق ﴾. ( غافر : ١٤، ١٥ ).
ويعرض السياق مشهد ذلك اليوم في صورة حية مؤثرة، فقد برز الجميع أمام الله، العالم بالظواهر والبواطن، وفي هذا المشهد تبلغ الروح الحلقوم، وتذهب صولة الظالمين والطغاة، فلا يجدون حميما ولا شفيعا لا يطاع في شفاعته، لقد أصبح الملك والأمر والقضاء لله الواحد القهار.
الفصل الثاني : رجل مؤمن يجاهد بالكلمة.
يستغرق الفصل الثاني الآيات من ( ٢١-٥٥ ) ويبدأ بلفت أنظار المشركين إلى ما أصاب المكذبين قبلهم، ثم يعرض جانبا من قصة موسى – عليه السلام – مع فرعون وهامان وقارون، يمثل موقف الطغاة من دعوة الحق، ويعرض فيها حلقة جديدة لم تعرض في قصة موسى من قبل، ولا تعرض إلا في هذه السورة وهي حلقة ظهور رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه، يدافع عن موسى، ويصدع بكلمة الحق والإيمان في تلطف وحذر في أول الأمر، ثم في صراحة ووضوح في النهاية، ويعرض في جدله مع فرعون حجج الحق وبراهينه قوية ناصعة، يحذرهم يوم القيامة، ويمثل لهم بعض مشاهده في أسلوب مؤثر، ويذكرهم موقفهم وموقف الأجيال قبلهم من يوسف عليه السلام ورسالته، ويستطرد السياق بالقصة حتى يصل طرفها بالآخرة فإذا هم هناك، وإذا هم يتحاجون في النار، وإذا حوار بين الضعفاء والذين استكبروا، وحوار لهم جميعا مع خزنة جهنم يطلبون فيه الخلاص، ولات حين خلاص، وفي ظل هذا المشهد يوضح الحق سبحانه أن العاقبة للمرسلين في الدنيا ويوم القيامة، فقد نصر الله موسى رغم جبروت فرعون، ثم يدعو الرسول الأمين إلى الصبر والثقة بوعد الله الحق، والتوجه إلى الله بالتسبيح والحمد والاستغفار.
الفصل الثلث : الترغيب والترهيب.
يستغرق الفصل الثالث الآيات من ( ٦٥-٧٧ ) ويبدأ بتقرير أن الذين يجادلون في آيات الله بغير حجة ولا برهان إنما يدفعهم إلى هذا كبر في نفوسهم عن الحق، وهو أصغر وأضأل من هذا الكبر، ويوجه القلوب حينئذ إلى هذا الوجود الكبير الذي خلقه الله، وهو أكبر من الناس جميعا، ولعل المتكبرين يتصاغرون أمام عظمة خلق الله، وتتفتح بصيرتهم فلا يكونون عميا :﴿ وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون ﴾. ( غافر : ٥٨ ).
ويذكرهم بمجيء الساعة، ثم يفتح الباب أمامهم إلى دعاء الله والاستجابة لأمره، فأما الذين يستكبرون فسيدخلون جهنم أذلاء صاغرين، ويعرض في هذا الموقف بعض آيات الله الكونية التي يمرون عليها غافلين، يعرض عليهم الليل وقد جعله الله سكنا، والنهار مبصرا، والأرض قرارا، والسماء بناء، ويذكرهم بأنفسهم وقد صورهم، ويوجههم إلى دعوة الله مخلصين له الدين، ويلقن الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبرأ من عبادتهم، وأن يعلن إسلامه لرب العالمين، ثم يلمس قلوبهم بأن الله الواحد هو الذي أنشأهم من تراب ثم من نطفة.. وهو الذي يحيي ويميت. ثم يعود فيعجب رسوله صلى الله عليه وسلم من أمر الذين يجادلون في الله وينذرهم عذاب يوم القيامة في مشهد عنيف، تعلق فيه الأغلال في أعناقهم ويسحبون في الحميم، ويحرقون في النار جزاء كفرهم وشركهم بالله، وعلى ضوء هذا المشهد يوجه الله رسوله إلى الصبر والثقة بأن وعد الله حق، سواء أبقاه حتى يشهد ما يعدهم، أو يتوفاه قبل أن يراه فسيتم الوعد هناك.
الفصل الرابع : نهاية الظالمين.
يشمل الفصل الرابع على الآيات الأخيرة في السورة من ( ٧٨-٨٥ ) ويذكر أن الله أرسل رسلا وأنبياء كثيرين لهداية الناس، منهم من ذكر في القرآن ومنهم من لم يذكر :﴿ وما كان لرسول أن يأتي بآية... ﴾ وأن يقدم معجزة لقومه :﴿ إلا بإذن الله... ﴾ ( غافر : ٧٨ ). على أن في الكون آيات قائمة وبين أيديهم آيات قريبة، ولكنهم يغفلون عن تدبرها.. هذه الأنعام المسخرة لهم، من سخرها ؟ وهذه الفلك التي تحملهم، أليست آية يرونها ؟ ومصارع الغابرين ألا تثير في قلوبهم العظة والتقوى ؟ وتختم السورة بإيقاع قوي على مصرع من مصارع المكذبين وهم يرون بأس الله فيؤمنون حيث لا ينفعهم الإيمان :﴿ فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون ﴾. ( غافر : ٨٥ )