سورة الشورى - القارئ ادريس ابكر

التفسير 
مظاهر قدرة الله تعالى وعظمته
الآيات الكريمة من (4-6)

تعدّ سورة الشورى سورة مكيّة بالاتّفاق، وقد نزلت بعد سورة فُصّلت، وكان نزولها بعد حادثة الإسراء، وعدد آياتها ثلاثٌ وخمسون آية، وتتحدث في أولى آياتها عن مظاهر قدرة الله -سبحانه وتعالى- أن له ما في الكون جميعا، وهو المتعالي المتفرد بالعظمة، ومن عظمته -سبحانه وتعالى- توشك السماواتُ أن تتشقّق، ومن عظمته تستمر الملائكةُ الأبرار بتنزيهه عما لا يليق به، ومن رحمته ومغفرته أن أَمَرَهم أن يطلبوا المغفرة لذنوب من في الأرض من المؤمنين.

ومن رحمته أيضا أنّه لا يعاجل الكفرة بالعقوبة بالرغم من أنهم جعلوا له شركاء وأنداداً، ولكنه -سبحانه وتعالى- على كل حال رقيبٌ على أعمالهم وسيحاسبُهم عليها، وليس للنبي -صلى الله عليه وسلم- أن يجبرهم على الإيمان ولكن وظيفته الإنذار فقط.

الحكمة من إنزال الوحي والشرائع
الآيات الكريمة من (7-14)

تبيّن هذه الآيات الكريمة أن الله -سبحانه وتعالى- أوحى إلى نبيه -صلى الله عليه وسلم- قرآنا عربياً ليخوف به أهل مكة ومَن حولها من الناس، وينذر به الناس بيوم القيامة الذي سيجتمع فيه الخلق جميعاً، ليقسّموا إلى فريقين حسب أعمالهم: فريق إلى الجنة، وفريق آخر إلى النار، ولو أراد الله -سبحانه وتعالى- لجعل الناس جميعا على دين واحد، إِمّا مهتدين أو ضالين، ولكنه خلقهم مختارين لقراراتهم فاختلفت أديانهم، وستختلف مصائرهم بسبب ذلك.

ومن اختار الضلال فلن تنفعه آلهته المزعومة في ذلك اليوم شيئا، كما تبين هذه الآيات الكريمة أن حل الخلافات يجب أن يرجع إلى الله -سبحانه وتعالى-، وأن له الحكم فيها، فهو خالق السماوات والأرض من العدم، وخالق الأزواج ليتحقق التكاثر من الإنس وكذلك من الأنعام، وليس له -سبحانه وتعالى- شبيه ولا نظير، وهو تام السمع والبصر، وبيده خزائن السماوات والأرض، يوسّع الرزق لمن يشاء من خلقه، ويضيقه على من يشاء بحسب علمه وحكمته.
ثم تبين أن مهمة الأنبياء والرسل واحدة، تنحصر في الدعوة إلى توحيد الله -سبحانه وتعالى-، وإقامة الدين، ولكن المشركين يُصرّون على شركهم، وأهل الكتاب من اليهود والنصارى ليسوا على يقين بما في أيديهم من كتبهم، ولكنهم يُصرّون كذلك عن متابعة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكن الكرم الإلهي قضى تأخير العذاب عنهم إلى الآخرة.

الأمر بالاستقامة على الدين
الآيات الكريمة من (15-19)

تأمر هذه الآيات الكريمات النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو الناس إلى المنهج الذي سار عليه أسلافه من الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، وأن يترك مناهج الكفرة القائمة على الأهواء، وبالرغم من ذلك فسيلتزم العدل في معاملته لهم، فلكل منهم عمله وسيجازى به عندما يصير إلى الله -سبحانه وتعالى-.

ويتوعد الله -سبحانه وتعالى- الذين يجادلون المؤمنين من اليهود والنصارى بعد أن سلكوا طريق الحق، مدّعين أن أديانهم خيرٌ مما تبعه المؤمنون، ولكن حجتهم باطلة، ومصيرهم العذاب، فقد اتبع هؤلاء الكتاب الحق العادل الذي أنزله الله -سبحانه وتعالى-.

ثم يخوّفهم بقرب يوم القيامة، ولكن أهل الباطل لا يحسبون حساباً ليوم القيامة ويجادلون في مجيئها، في حين يخافها المؤمنون ويوقنون بوقوعها، ومع ذلك فالله القوي العزيز -سبحانه وتعالى- يلطف بجميع خلقه برهم وفاجرهم فيرزقهم بمشيئته.

بيان جزاء العمل للدنيا والعمل للآخرة
الآيات الكريمة من (20-23)

يبيّن الحق -سبحانه وتعالى- في هذه الآيات أن من يريد ثواب الآخرة، فإن الله -سبحانه وتعالى- سيضاعف له الأجور، ولن ينقص من نصيبه في الدنيا شيئا، ومن يريد الدنيا فقط فسيعطيه الله -سبحانه وتعالى- نصيبه منها، ولكنه لن يحصل في الآخرة على شيء.

ثم يخبر -سبحانه وتعالى- أن المشركين اتخذوا آلهةً شرعت لهم الشرك، وتحريم ما أحل الله، وتحليل ما حرم الله، ونحو ذلك، على غير ما شرعه الله -سبحانه وتعالى-، ولولا أنه قضى تأخيرهم إلى الآخرة لجازاهم عاجلاً.

الحكمة من تقدير الأرزاق ومظاهر إبداع الله في الكون
الآيات الكريمة من (27-35)

يبيّن الله -سبحانه وتعالى- أنّه يرزق الناس بما يناسبهم بحكمته؛ فلو زاد في أرزاقهم كثيراً لتجبّروا في الأرض وأفسدوها، وهو -سبحانه وتعالى- ينزل المطر بعد أن يصل الناس إلى اليأس من نزوله، فينتشر الخير، ثم يبين جملة من آياته الدالة على عظمته من خلق السماوات والأرض وجميع المخلوقات التي تسكنها.

بالإضافة إلى قدرته على جمعهم إن شاء، ولعفوه ورحمته يتجاوز عن كثيرٍ من أخطاء عباده، ولا تستطيع قوة من الوقوف أمامه -سبحانه-، ومن تلك الدلائل جريان السُّفن في البحار كالجبال، وبقدرته التي أجرتها قادر على إيقافها، وبعد كل تلك الدلائل الباهرة فهل لأحد من المعاندين أن يفلت من العقاب؟!

ذكر الأعمال الصالحة التي تدخل الجنة
الآيات الكريمة من (36-41)

يبين الله -سبحانه وتعالى- في المقطع من السورة أن ما يعطيه للناس في الدنيا سرعان ما يزول، وما يبقى هو نعيم الآخرة، ثم يستعرض بعض صفات المؤمنين، حيث إنهم يبتعدون عن كبائر الذنوب، ويصفحون عن المسيء، ويقيمون الصلاة، ويتشاورون في أمورهم، ويؤدّون زكاتهم، وإذا بغى أحد عليهم ردوا البغي من غير أن يظلموا.

حال الكافر أمام النار يوم القيامة
الآيات الكريمة من (42-45)

تعرض هذه الآيات حال الكفرة في الدنيا وهم يظلمون الناس، ويفسدون في الأرض، وبسبب ضلالهم لهم في الآخرة العذاب الأليم، ويتمنون العودة للدنيا ليصلحوا ماضيهم، فلا يردون، بل يُعرضون على النار أذلّاء خاسرين الخسارة الحقيقية.

الأمر بالاستجابة لله وعقوبة الإعراض عنه
الآيات الكريمة من (47-50)

تأمر هذه الآيات الكافرين أن يتبعوا أوامر الله -سبحانه وتعالى- وهم في الدنيا قبل أن يصلوا إلى النتيجة التي وُصفت في الآيات السابقة، وإن أَبَوْا أن يستجيبوا للحق الذي يدعوهم إليه النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فما عليه أكثر من دعوتهم، ومن طبيعة الإنسان أنه يفرح بالخير إن جاءه، وينسى ذلك عندما تصيبه المصائب التي هو سببها، ثم يكرّر تذكيرهم بشيءٍ من قدرته -سبحانه وتعالى-، فهو مالك السماوات والأرض، وبيده أمر الإنجاب وتنوعه أو انعدامه.

عرض أنواع الوحي الإلهي
الآيات الكريمة من (51-53)

تبيّن الآيات الكريمات أشكال الوحي الإلهي للبشر، فمنه الوحي المباشر في نفس النبي، أو أن يكلمه من وراء حجاب، أو أن يرسل إليه جبريل، ثم تبين الآيات مِنّة الله -سبحانه وتعالى- على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بأن أرسل إليه هذا الدين القويم ليدعو الناس إليه.