تفسير سورة الدّخان
الآية 1: ﴿ حم ﴾: سَبَقَ الكلام على الحروف المُقطَّعة في أول سورة البقرة، واعلم أنَّ هذه الحروف تُقرأ هكذا: (حا ميم).
من الآية 2 إلى الآية 8: ﴿ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾ (يُقسِم اللهُ تعالى بالقرآن الواضح لفظًا ومَعنًى، والمُوَضِّح للأحكام والحقائق): ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ﴾ أي ابتدأنا إنزال القرآن ﴿ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ وهي ليلة القدر في رمضان (وهي ليلةٌ كثيرة الخيرات)، ﴿ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ﴾ أي مُذَكِّرينَ الناسَ بما ينفعهم وما يضرهم (فلذلك أرسلنا إليهم الرسُل وأنزلنا إليهم الكُتُب؛ لتقوم حُجَّة الله عليهم)، ﴿ فِيهَا ﴾ أي في ليلة القدر ﴿ يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾: أي يُقضَى من اللوح المحفوظ - إلى الكَتَبة من الملائكة - كلُّ أمْرٍ مُحكَم من الآجال والأرزاق وسائر الأحداث في تلك السَنَة (لا يتبدل ولا يتغيَّر).
♦ وقد كان هذا الأمر الحكيم ﴿ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا ﴾ (إذ جميع ما يُقَدِّره الله تعالى ويُوحيه، إنما هو بأمره وإذنه وعِلمه)، ﴿ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ﴾ أي مُرسِلينَ الرُسُل إلى الناس، وقد كان هذا الإرسال ﴿ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ﴾ أيها الرسول بالمُرسَل إليهم من الأمم والشعوب، ليَسعدوا في الدنيا والآخرة (إنْ هُم استقاموا على الحق)، ﴿ إِنَّهُ ﴾ سبحانه ﴿ هُوَ السَّمِيعُ ﴾ لجميع الأصوات وما تطلبه، ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بحاجات خَلقه وما يُصلحهم (فلذلك أرسل إليهم الرُسُل وأنزل الكُتُب)، وهو سبحانه ﴿ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾: أي خالق السماوات والأرض وما بينهما من الأشياء كلها ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ﴾: يعني إن كنتم موقنينَ بذلك، فاعلموا أنّ رب المخلوقات جميعاً هو المعبود الحق، الذي لا تجب العبادة إلا له،﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾: أي لا يَستحق العبادة إلا هو ﴿ يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾ (إذ هو المتفرد بالإحياء والإماتة) ﴿ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾.
من الآية 9 إلى الآية 16: ﴿ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ ﴾ يعني: بل إن هؤلاء المُشرِكين في شك من الحق، فهم ﴿ يَلْعَبُونَ ﴾أي يلعبون بالدنيا وشهواتها، وهُم في غفلةٍ عن الآخرة وما سيَلقونه فيها، ﴿ فَارْتَقِبْ ﴾: أي انتظر أيها الرسول بهؤلاء المُشرِكين المستهزئين ﴿ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ﴾ أي بدخان واضح - عند اقتراب الساعة -﴿ يَغْشَى النَّاسَ ﴾ أي يُغَطي عيونهم ويَخنق أنفاسهم، فيقولون: ﴿ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾،ثم يقولون سائلينَ ربهم أن يرفعه عنهم: ﴿ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ﴾: يعني إنْ كشفتَه عنا فإنا مؤمنونَ بك وبرسولك، ثم قال تعالى: ﴿ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى ﴾: يعني كيف يكون لهم التذكر والاتعاظ بعد نزول العذاب بهم؟! ﴿ وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ﴾ أي جاءهم رسول مُبَيِّن لهم الحق من الباطل، وهو محمد عليه الصلاة والسلام، الذي يَعرفون نَسَبَه وصِدقه وأمانته وأخلاقه﴿ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ ﴾ أي أعرضوا عن تصديقه واتِّباعه ﴿ وَقَالُوا ﴾: ﴿ مُعَلَّمٌ ﴾ أي يُعَلِّمه غيره، وهو ﴿ مَجْنُونٌ ﴾ أي ذاهب العقل، وهم يَعلمونَ أنهم كاذبونَ في ذلك، فقد رَضوا بحُكمه عندما أرادوا إعادة بناء الكعبة (وذلك قبل بعْثَتِهِ صلى الله عليه وسلم)، فكيف إذاً يَقبلونَ حُكمَه ثم يَتهمونه - كَذِباً - بالجُنون؟ فعُلِمَ مِن ذلك أنهم يقولون ذلك على سبيل العِناد، حتى يَصُدّوا الناسَ عن دِينه، ﴿ إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ﴾: أي سنرفع عنكم العذاب قليلاً، وسترون أنكم ستعودون إلى ما كنتم عليه من الكفر والضلال، وسوف نعاقبكم على ذلك الكفر ﴿ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى ﴾ أي يوم نُعَذِّب جميع الكفار العذاب الأكبر يوم القيامة، وهو يوم انتقامنا منهم ﴿ إِنَّا مُنْتَقِمُونَ ﴾ من المجرمينَ المُكَذِّبين.
من الآية 17 إلى الآية 29: ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ ﴾ أي اختبرنا قبل هؤلاء المُشرِكين: ﴿ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ ﴾ أي كريمٌ عند ربه وكريمٌ عند قومه (وهو موسى عليه السلام)، إذ جاءهم قائلاً لهم ﴿ أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ ﴾: أي سَلِّموا إليَّ عبادَ الله من بني إسرائيل، وأطلِقوا سَراحهم ليذهبوا معي إلى أرض أبيهم إبراهيم ليعبدوا الله فيها، ﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ فيما أُبَلِّغكم به عن الله، ﴿ وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ ﴾: أي لا تتكبروا على الله بتكذيب رُسُله، ﴿ إِنِّي آَتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴾: يعني إني آتيكم ببرهان واضح على صدق رسالتي (وهي العصا)، ﴿ وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ ﴾: أي استجرتُ بالله ربي وربكم أن تقتلوني رجمًا بالحجارة، ﴿ وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ ﴾: يعني إن لم تصدقوني فيما جئتكم به فاتركوني، وكُفُّوا عن إيذائي.
﴿ فَدَعَا ﴾ موسى ﴿ رَبَّهُ ﴾ - حين كذبوه وأرادوا قتله - قائلاً: ﴿ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ ﴾ أي مُشرِكونَ ظالمون، فنَجِّني منهم والمؤمنينَ، وأنزِل بهم عذابك، فأجابه ربه قائلاً: ﴿ فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا ﴾ أي: سِرْ ليلاً بمن آمَنَ معك من بني إسرائيل وغيرهم من المصريين الذين آمنوا بك، فاخرجوا من أرض مصر ﴿ إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ﴾ أي سوف يَتبعكم فرعون وجنوده ليقتلوكم، فاخرجوا قبل أن يُدركوكم ﴿ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ﴾: أي اترك البحر على حاله، وذلك حتى يدخل فرعون وجنوده فنُطبقه عليهم ﴿ إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ ﴾ أي سيَغرقون في البحر لا مَحالة،﴿ كَمْ تَرَكُوا ﴾ بعد غرقهم ﴿ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ (والمقصود بها أرض مصر، التي كانت مليئة بالبساتين وعيون الماء الجارية)﴿ وَزُرُوعٍ ﴾ متنوعة ﴿ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴾ أي منازل جميلة ﴿ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ﴾ يعني: وعيشةٍ نَضِرة ومُتعة عظيمة كانوا فيها متنعمين، ﴿ كَذَلِكَ ﴾: أي كذلك سَلَبنا منهم هذه النعم بسبب جحودهم وعصيانهم، وكذلك أفعل بمن عصاني ولم يشكر نعمتي ﴿ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ ﴾ يعني أورثنا تلك النعم - من بعدهم - لقومٍ آخرين خَلفوهم ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ ﴾ أي لم تَبكِ السماء والأرض حزنًا على فرعون وقومه، لأنهم كانوا كافرينَ لم يعملوا على الأرض خيراً ولم يصعد لهم عملٌ صالح إلى السماء ﴿ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ﴾: يعني لم يُمهَلوا - ليتوبوا أو يعتذروا - حين نزلتْ بهم عقوبة الله.
من الآية 30 إلى الآية 33: ﴿ وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾ أي من العذاب المُذلِّ لهم (بقتل أبنائهم واستخدام نسائهم في الخدمة)، فنَجَّيناهم ﴿ مِنْ فِرْعَوْنَ ﴾ أي من عذاب فرعون ﴿ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا ﴾ أي كان جبارًا ظالماً ﴿ مِنَ الْمُسْرِفِينَ ﴾: أي كان مُسرفًا في الظلم والتكبر على عباد الله،﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ ﴾ أي اخترنا بني إسرائيل للنُبُوّة والمُلك ﴿ عَلَى عِلْمٍ ﴾ أي على عِلمٍ منا بأنهم كانوا يَستحقون ذلك التفضيل ﴿ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ والمقصود هنا (عالَمي زمانهم المعاصرينَ لهم)، بسببصبرهم على أذى فرعون وقومه، وبسبب إيمانهم واستقامتهم ﴿ وَآَتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآَيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ ﴾ يعني أعطيناهم من المُعجِزات على يد موسى ما فيه اختبارٌ عظيم لهم (أيَشكرون ربهم على نعمه أم يكفرون؟).
من الآية 34 إلى الآية 39: ﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ ﴾ أي هؤلاء المُشرِكين مِن قومك أيها الرسول ﴿ لَيَقُولُونَ ﴾:﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى ﴾ يعني ما هي إلا موتتنا التي نموتها (فهي الموتة الأولى والأخيرة) ﴿ وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ ﴾: يعني ما نحن بمبعوثين بعد موتنا ﴿ فَأْتُوا بِآَبَائِنَا ﴾ أي ائتونا - يا محمد أنت ومَن معك - بآبائناالذين قد ماتوا ﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ في أن الله يبعث مَن في القبور، قال تعالى: ﴿ أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ ﴾ يعني أهؤلاء المُشرِكون خيرٌ في القوة والحصون أم قوم تُبَّع﴿ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ من الأمم المُكَذِّبة؟! (إنهم ليسوا بخَيرٍ منهم لا في المال ولا في الرجال)، ورغم قوة هؤلاء المُكَذِّبين السابقين فقد ﴿ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾ (فكذلك نُهلِك هؤلاء المُكَذِّبين من قريش متى شئنا)، ثم قال تعالى -رداً على إنكارهم للبعث -: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴾ أي ما خلقنا ذلك كله لعباً ولا باطلاً، ﴿ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ أي ليَعلم الناس أنّ الذي خَلَقَ ذلك كله قادرٌ على أن يُحيى الموتى، لأنّ ذلك أهْوَنُ عليه مِن خَلْق السماوات والأرض ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ أي لا يعلمون حكمة الله تعالى في ذلك (بسبب انغماسهم في الجهل والضلال).
من الآية 40 إلى الآية 42: ﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ ﴾ (وهو يوم القضاء بين الخلق بما قدَّموه من الأعمال)، هو ﴿ مِيقَاتُهُمْ ﴾ أي موعدهم ﴿ أَجْمَعِينَ ﴾﴿ يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا ﴾: يعني في هذا اليوم لا يَدفع صاحبٌ عن صاحبه أو قريبه شيئًا من العذاب والأهوال ﴿ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾: أي لا يَنصر بعضهم بعضًا بشفاعتهم لبعضهم عند الله تعالى﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ ﴾ من أهل الإيمان والتوحيد، فإن الله يَرحمه في الآخرة بأن يُشَفِّع فيه أحد الملائكة أو الأنبياء، أو ولياً من أوليائه المتقين، فيأذن سبحانه له بالشفاعة فيُنَجِّيه من النار، ﴿ إِنَّهُ ﴾ سبحانه ﴿ هُوَ الْعَزِيزُ ﴾ في انتقامه مِن أعدائه، ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ بعباده المؤمنين.
من الآية 43 إلى الآية 50: ﴿ إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ﴾ التي تخرج في قعر جهنم، هي ﴿ طَعَامُ الْأَثِيمِ ﴾ وهو صاحب الآثام الكثيرة (وأكبر الآثام: الشِرك بالله)، والثمر الذي يَخرج من هذه الشجرة﴿ كَالْمُهْلِ ﴾ وهو المَعْدن الذي يذوب بسبب شدة السخونة، فـ ﴿ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ﴾ وهو الماء الذي يغلي في الآنية، ثم يُقال لملائكة جهنم: ﴿ خُذُوهُ ﴾ أي خذوا هذا الأثيم الفاجر ﴿ فَاعْتِلُوهُ ﴾ أي ادفعوه بعنف وجُرُّوه بغلظة وشدة ﴿ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ ﴾ يعني إلى وسط النار﴿ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ﴾ وهو الماء المَغلي، ويُقال له وهو يُعَذَّب:﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ ﴾ في قومك، ﴿ الْكَرِيمُ ﴾ عليهم (وهذا على سبيل الاستهزاء والتوبيخ)، ﴿ إِنَّ هَذَا ﴾ العذاب هو ﴿ مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ ﴾ أي الذي كنتم تشُكُّون فيه في الدنيا.
من الآية 51 إلى الآية 57: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ ﴾ الذين خافوا عذابَ ربهم - ففعلوا ما يرضيه واجتنبوا ما يُغضبه - أولئك ﴿ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ﴾: أي في موضع إقامة واستقرار - وهي الجنة - آمنينَ من العذاب والخوف والهموم والأمراض، وهم﴿ فِي جَنَّاتٍ ﴾ أي في بساتين عجيبة المَنظر، ﴿ وَعُيُونٍ ﴾ أي أنهارٌ جارية ﴿ يَلْبَسُونَ ﴾ ثياباً ﴿ مِنْ سُنْدُسٍ ﴾ وهو الحرير الرقيق ﴿ وَإِسْتَبْرَقٍ ﴾ وهو الحرير الغليظ، ﴿ مُتَقَابِلِينَ ﴾: أي تتقابل وجوههم في حُبّ، يَجمعهم مَجلس واحد، ويدور بهم مَجلسهم حيث أرادوا الذهاب في الجنة، ﴿ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ﴾: يعني كما أدخلنا هؤلاء المتقين الجنات، فكذلك زوَّجناهم فيها بنساءٍ جميلات واسعات الأعين، ﴿ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ ﴾: أي يَطلب هؤلاء المتقون في الجنة من كل أنواع الفواكه التي يشتهونها، ﴿ آَمِنِينَ ﴾ من انقطاع ذلك عنهم وفنائه﴿ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى ﴾: أي لا يذوقون الموت في الجنة بعد الموتة الأولى التي ذاقوها في الدنيا، ﴿ وَوَقَاهُمْ ﴾ ربهم ﴿ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ ﴿ فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ﴾ أي تفضلاً منه وإحسانًا عليهم (بسبب تقواهم لربهم وخوفهم من عذابه)، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (يقول اللهُ عز وجل: وَعِزَّتي لا أجمعُ على عبدي خوفَيْن ولا أجمعُ له أمْنَيْن، إذا أمِنَني في الدنيا: أخَفتُهُ يومَ القيامة، وإذا خافني في الدنيا: أمَّنْتُهُ يومَ القيامة) (انظر السلسلة الصحيحة ج: 6/ 355)، ﴿ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ الذي لا فوزَ مِثله.
الآية 58، والآية 59: ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ ﴾: يعني فإنما سَهَّلنا لفظ القرآن ومعناه بلُغتك العربية أيها الرسول، ويَسَّرناه للحفظ والفَهم ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾: أي ليَتعظ قومك بأدلته وحُجَجه، فيؤمنوا به لينجوا ويسعدوا، ولكنهم تكَبَّروا عن الإيمان به والانقياد له ﴿ فَارْتَقِبْ ﴾ أي انتظر ما وعدناك به من النصر على هؤلاء المُشرِكين، فـ ﴿ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ ﴾: يعني إنهم أيضاً مُنتظرون موتك ليتخلصوا من دَعْوتك، (فلا تهتم بكَيدهم وتكذيبهم، فإنّ اللهَ ناصرك عليهم ومُنَجِّيك مِن كَيدهم، وسيعلمون لمن تكون النُصرة وعُلُوّ الكلمة في الدنيا والآخرة، إنها لك ولمَن اتَّبعك من المؤمنين).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق